أسامه عبد الماجد يكتب: الرباعية وقصر الاتحادية

0 لا أحد يدري ما الذي يدفع الرئيس عبد الفتاح البرهان إلى اتباع نهج “الغتغتة” و”الدسدسة”.. في بحثه عن حلول للأوضاع الراهنة، أو من يشير عليه بذلك..فقد كتبنا مراراً عن أهمية وجود منظومة مؤسسية منظمة داخل مكتبه..فواجهنا هجوماً غير مبرر من بعض أصحاب الغرض.. وإذا كان البرهان يمتلك هذه الشجاعة التي تدفعه إلى زيارة المناطق والمدن المحررة من سيطرة الجنجويد.. بينما لا تزال النيران مشتعلة والدخان يغطي المكان ودرجات الأمان ضعيفة.. فإن السؤال المنطقي ما الذي يمنعه من إعلان مواقفه السياسية بوضوح؟
0 يرى البعض ان الرئيس وقع سابقاً في فخ عندما التقى المبعوث الأمريكي مسعد بولس في سويسرا.. بينما كان بالإمكان عقد الاجتماع في بورتسودان كما فعل بولس في زياراته الإقليمية الأخرى.. بما في ذلك لقاؤه مع حفتر في بنغازي.. ومع أن لقاء سويسرا كان سرياً، تسربت تفاصيله للعلن.. وكان من الأنسب أن يتم على مستوى أدنى من الرئاسة ليحتفظ البرهان ببعض أوراقه.. ولا يوجد أنسب من مالك عقار المعروف بصراحته العالية.
0 وتكرر المشهد ذاته في زيارة أمس إلى مصر إذ لم يُعلن عنها مسبقاً.. ولا حتى عند المغادرة، وحتى عندما أصبحت الزيارة معروفة.. جاء الخبر الرئاسي مقتضباً خالياً من التفاصيل، مكتفياً بعبارات “تعزيز التعاون ومناقشة القضايا المشتركة”.. بينما جاء تصريح قصر الاتحادية، “على بلاطة” .. لآن القاهرة لديها التزام تجاة الرباعية، ولذلك اكدوا مباركة البرهان للرباعية وجهودها، مع تمنياته بنجاح اجتماعها المقبل.
0 كان المتوقع أن تعلن الحكومة موقفاً واضحاً بعد عودة الرئيس من القاهرة.. إلا أن وزير الخارجية محي الدين سالم خرج للإعلام مستمراً في ذات النهج الغامض.. والحقيقة أن الرباعية أصبحت واقعاً سياسياً قائماً.. في حين لا توجد رؤية واضحة للتعامل معها، وهو ما يشكل مكمن الخطورة.
0 ومع ذلك تملك الحكومة فرصة كبيرة في تقوية موقفها.. والبدء باستثمار عودة مصر إلى المشهد السياسي، خاصة بعد استضافتها قمة شرم الشيخ.. واستقبالها الرئيس الأمريكي ترمب، الذي لم يزر إفريقيا رسمياً خلال ولايته الأولى.. فموقف مصر من مليشيا أولاد دقلو واضح منذ ما قبل الحرب، إذ تعتبر وجودهم تهديداً لأمنها القومي ولأمن المنطقة.
0 وقد عبّر الرئيس السيسي عن هذا الموقف بوضوح في قمة الأمن والتنمية بجدة عام 2022 .. بحضور الرئيس الأمريكي بايدن، حين أكد أنه لا مكان للميليشيات والمرتزقة وعصابات السلاح في المنطقة.. وطالب داعميهم بمراجعة حساباتهم.. وبالتالي، مصالح مصر تحديداً مرتبطة بالقوات المسلحة السودانية.. فمن غير المنطقي أن تتواطأ القاهرة مع أي طرف يتبنى موقفاً مناهضاً للجيش السوداني.
0 فهناك خمسة أسباب رئيسية.. مليشيا أولاد دقلو وجهت لمصر اتهامات باطلة.. والقاهرة توقن ان المليشيا مهدد لامنها.. ثانياً القاهرة لا تلتقي سياسياً مع “القحاتة” منذ وصولهم للسلطة.. إذ كشفت مواقفهم عن توجهات تمس وحدة الجيش السوداني.. مما يوثر على أمن المنطقة.
0 ثالثاً ملف مياه النيل، إذ لا يمكن لمصر ضمان موقف أي سلطة جديدة في السودان.. رابعاً تداعيات حرب غزة التي كادت أن تدفع مصر إلى مواجهة مفتوحة بسبب خطط ترمب في تهةير الفلسطينيين وتهور نتنياهو.. وأخيراً عدم استقرار ليبيا، ما يجعل من مصلحة مصر معاونة الجيش السوداني على إخماد أي بؤرة توتر على حدودها الجنوبية.
0 إن الرباعية ليست بالضرورة شراً مطلقاً، لكن الحكومة السودانية تفتقر إلى عقل جمعي للتعامل معها.. فهي لم تنجح حتى الآن في إقناع السعودية بخطورة المليشيا وتهديدها لأمن البحر الأحمر.. ونشر الارهاب والتطرف العنيف في المنطقة في ظل تدفق المرتزقة.. كما لم تقنع الحكومة، ابوظبي وواشنطن بأن الإسلاميين في السودان لا يملكون امتدادات خارجية، وهو ما تعرفه أمريكا جيداً منذ تعاونها مع نظام الإنقاذ عام 2017 ورفعها الحظر الاقتصادي وبدء مفاوضات لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
0 كما أن السودانيين لا علاقة لهم بتنظيم داعش.. كما قال الرئيس السوري أحمد الشرع: “لو كان لي علاقة معهم لما تركتهم، ونحن كسودانيين لم نكن معهم لنتركهم.” لكن المعضلة داخلية ذات صلة بالبرهان لسببين.. أولاً هناك من يصور للبرهان أن الإسلاميين خصوم له، فاستعداهم دون سبب. غير أن الأيام جمعته بهم في مواجهة عدو مشترك هو “السرطان الجنجويدي”.
0 ثانياً البرهان قد يظن أن النصر على المليشيا سيدفع الإسلاميين لإزاحته، خاصة مع تجربته مع “انقلاب بكراوي” الذي كاد يطيح به.. أما في الصراع على السلطة، وبعد غدر حليفه السابق الباغي تلشقي حميدتي.. فقد يرى البرهان أن “القحاتة” حليف أفضل بحكم علاقاتهم بالغرب، خصوصاً بعد فرض واشنطن عقوبات عليه..
0 حسناً لنرسم خارطة طريق أمام البرهان تبدأ بتوحيد الصف الوطني وتشكيل تحالف عريض وليكن تحت مسمى (الكرامة).. يضم كل من له دور في المعركة دون إقصاء.. وعليه أن يرفع من وتيرة أداء الحكومة، التي يتحكم في اتخاذ قرارها زمرة مستشارين، ولو تطلب الأمر إعفاء كامل إدريس.. وتفعيل القانون لمحاربة الفساد.. كما يجب تعزيز العلاقات مع السعودية، التي يمكن أن تساهم في رفع العقوبات الأمريكية عنه وميرغني إدريس والمؤسسات الوطنية.
0 إلى جانب ذلك، لا بد من فتح حوار جاد مع الإمارات لتبديد مخاوفها غير المبررة تجاة السودان.. وكان نائب رئيس الامارات منصور بن زايد زار الخرطوم سراً في عهد المشير البشير للغرض ذاته.. بجانب ملف رجل الأعمال أيمن المامون وصله مدير الأمن والمخابرات الاسبق محمد عطا المولى به.. كما يجب إدارة حوار فعال مع ادارة ترمب عبر فريق تفاوض قوي.. وترشيح سفير كفء لواشنطن يواكب المتغيرات، مع خلق علاقات متوازنة مع روسيا والصين.
0 ومهما يكن من أمر .. فإن التعامل مع الرباعية يتطلب تحركاً شاملاً من كل مؤسسات الدولة.. وفي مقدمتها جهاز المخابرات، وان يستصحب البرهان رأي اهل السودان.
الخميس 16 اكتوبر 2025
osaamaaa440@gmail.com