أسامة ميرغني يكتب: السودان وحرب إيران وإسرائيل

يشهد المسرح السياسي الدولي في الوقت الراهن تسارعًا غير مسبوق لرياح التغيير، وليس مجرّد تبديل كما كان يحدث سابقًا. إن السودان ليس بمعزل عن هذه الأحداث العالمية التي تمسّ أمنه القومي، إذ يعاني من غياب رؤية شاملة لإدارة الدولة، بينما يظلّ تقاطع المصالح الإقليمية والدولية المؤشر الأبرز لأداء العمل السياسي داخله.
إن الهيكلية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على مفهوم الوكالات: وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وكالة الأمن الداخلي (FBI)، ووكالة الفضاء (NASA) وغيرهم، جميعهم يعملون تحت مظلة وكالة الأمن القومي. وفي عام 2004 صرّح القائد الثاني للقوات المتحالفة في حرب العراق بضرورة إسقاط الأنظمة السياسية في سبع دول هي: العراق، سوريا، لبنان، إيران، ليبيا، الصومال، والسودان.
السؤال الأهم هنا: ما القاسم المشترك بين هذه الدول؟
إنها دول لا تُعدّ فيها سلطة الدولة هي الأعلى، بل هناك سلطة تفوقها، دون وجود مشروع سياسي واضح المعالم والمحتوى، مع وجود حقائق مسكوت عنها. ومن اللافت أن هذه الدول السبع لا تشترك بحدود جغرافية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ما يؤكد أن الخلاف ليس حدوديًا، بل أعمق بكثير.
بعد ذلك التصريح العسكري تغيّرت طبيعة محادثات السلام بين الحكومة السودانية وقوات الحركة، فتم نقلها من منتجع مشاكوس إلى نيفاشا، مع استبدال الدكتور غازي صلاح الدين، الذي كان محسوبًا على النفوذ البريطاني، بالسيد علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية حينها، والذي مثّل سلطة الدولة الرسمية.
تعتبر هذه الدول السبع من منظور واشنطن تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، لما لها من دور في زعزعة نظام التسوية المالية للتجارة الدولية (SWIFT). ولعل إصدار الاتحاد الأوروبي عملته الموحدة (اليورو) عام 2002 مثّل بداية تحركات تكتلات اقتصادية وسياسية ضد هيمنة الدولار.
ومن هنا، تسعى قوى اقتصادية عالمية مثل فرنسا (عبر 14 دولة إفريقية لا تملك بنوكًا مركزية مستقلة) وبريطانيا (عبر نظام «المفتاح») إلى إيجاد نظم بديلة لإضعاف الدولار خارج منظومة SWIFT.
على الصعيد العملي، يمكن تبسيط الفكرة بمثال: مثلما يمكن لشركة جديدة في سوق تطبيقات نقل الركاب أن تضرب هيمنة الشركة المسيطرة بقضية رأي عام واستخدام نفس آلية التطبيق، يمكن للاقتصادات المنافسة ضرب هيمنة الدولار بآليات رقمية ذكية.
في محاولة اغتيال الدكتور عبدالله حمدوك المزعومة، أوفدت الولايات المتحدة الأمريكية مندوبًا من الـ FBI رغم أن القانون الأمريكي يمنع هذه الوكالة من العمل خارج أراضيها، وهو اختصاص أصيل لـ CIA. في حادثة سابقة مثل مقتل السفير الأمريكي في السفارة السعودية بالخرطوم، تولت CIA التحقيق بينما غابت الـ FBI، مما يؤكد أن جوهر محاولة اغتيال حمدوك يتعلق بالدولار الأمريكي نفسه وصميم الأمن القومي الداخلي الأمريكي.
أما العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على حكومة السودان ودخلت حيز التنفيذ في 6 يونيو 2025، فهي جزء من فنون إدارة الصراع؛ ففي إيران تُستخدم الضربات العسكرية لإسقاط سلطة سياسية أرفع من سلطة الدولة، لتكون نهاية الخطاب السياسي العاطفي وتحرير «براءة اختراع» مشروع الشرق الأوسط القديم الذي أسسته بريطانيا وفرنسا.
ختامًا، نلتقي – بإذن الله – عبر مائدة الحوار السوداني السوداني الداخلي.
* مركز السودان للدراسات السياسية والبحوث الاستراتيجية




