أسامه عبد الماجد يكتب: “اللجام” الدبلوماسي

0 طالما نبهنا مراراً لأهمية الانفتاح وتعزيز التواصل الخارجي.. لفضح حقيقة ميليشيا أولاد دقلو الإرهابية والمتوحشة.. غير أن انشغال القيادة بالمعارك ومواجهة التمرد الجنجويدي أدى إلى تأخر إيصال صوتنا إلى العالم.. وقد ساهم (وزير خارجية أسبق) في تعميق هذا التأخر، خاصة بعد اختفائه الغريب والمريب خلال فترة الحرب.. ثم عودته دون أن يبادر بأي تحرك فعلي، واستمر هذا الجمود حتى قرر الرئيس إقالته.. لكن للأسف بعد مرور عام كامل على اندلاع الحرب.. إذ لم يقم طوال تلك الفترة بأي زيارات خارجية لعقد لقاءات ثنائية.. حتى مع الدول القريبة مثل مصر، وقد انعكس هذا التجميد الدبلوماسي سلباً على قدرتنا في إيصال قضيتنا العادلة إلى المجتمع الدولي.
0 صحيح أنه حدث تحسن ملحوظ لاحقاً بإرسال نحو أكثر من عشرة سفراء معتمدين إلى محطات خارجية.. بالإضافة إلى تعيين سفراء قائمين بالأعمال في عدد من الدول.. قام عدداً منهم بعمل كبير ومقدر كما تم افتتاح سفارة جديدة في مالي لأول مرة.. حيث تم اعتماد السفير الهمام خالد شكري الأسبوع الماضي.. (لا يخفى أن المرتزقة من مالي شاركوا إلى جانب الجنجويد في الحرب).
0 وكان للوزير الأسبق د. علي يوسف دور كبير في هذا التحرك، إلى جانب جهوده في ترقية العشرات من الوزراء المفوضين.. إلى درجة سفير بعد تأخير دام نحو ست سنوات..كما أن سلفه حسين عوض اجتهد رغم أنهما لم يمضيا في منصبيهما أكثر من عام.. وهذه من المشكلات التي أثرت سلباً على أداء الخارجية، دون نسيان ما حدث مع الوزير السابق عمر صديق الذي اضطر للاستقالة.
0 وقد يبدو صادماً للقارئ أن سفارة السودان في المملكة المتحدة ظلت شاغرة منذ عهد الإنقاذ وحتى أواخر سبتمبر 2024.. حيث عُين السفير أبوبكر الصديق قائماً بالأعمال.. لم تتمكن قحت من ترشيح سفير لها بسبب الصراعات العنيفة بين سفرائها.. الذين كانوا يتسابقون للظفر بمحطات دبلوماسية كبيرة مثل الولايات المتحدة وسويسرا وفرنسا، المانيا.. وكان الرئيس البرهان قد أقال هؤلاء السفراء بعد قرارات أكتوبر 2021.. لكن السفير أبوبكر لم يكن بمستوى التطلعات لهذه المحطة الهامة، رغم تميزه في صياغة البيانات حين كان ناطقاً باسم الخارجية.
0 وبالنسبة لبكين فالسفارة هناك ظلت بلا سفير.. منذ مغادرة عمر صديق مطلع مايو الماضي، بعد تعيينه وزيراً للخارجية.. رغم أهمية الصين كدولة عظمى وعضو في مجلس الأمن.. وذات الحال في سفارة فرنسا منذ أشهر، والمفارقة أن من كان يشغل المنصب قبل شغوره.. لم يتحرك للقيام بأي خطوة ملموسة، رغم الدور المحوري لباريس في المنطقة.
0 أما السفارات الإستراتيجية مثل واشنطن، فقد خيم عليها الركود، رغم تمديد فترة السفير محمد عبدالله “حاجة غريبة” .. والسفارة في هولندا كذلك شاغرة.. كما أن البعثة الدائمة في نيويورك بحاجة إلى إعادة تفعيل، مع ضرورة دعمها بعناصر أكثر خبرة وكفاءة.. ولا ينبغي أن يتركز الاهتمام فقط على مقاطع الفيديو التي تنشر لخطابات رئيس البعثة السفير الحارث إدريس – مع التقدير لجهوده – .. وكأنها انتزاع لفرصة الحديث، في حين أن حق الرد مكفول للجميع.. وليت التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي بين السودانيين حالياً كان أيام السفير عبد المحمود عبد الحليم، الذي عرف بنشاطه الملحوظ.. ومن المفيد متابعة أسلوب مندوب روسيا في إدارة عمله، للاستفادة من تجربتهم في توظيف المنابر الدولية.
0 حسناً.. خذوا اوكرانيا مثالاً كيف تعاملت مع الخارج بعد حربها مع روسيا في فبراير 2022.. وتحديداً حيال الدول الافريقية، مع العلم ان الدب الروسي متجذر في القارة السمراء.. وسيطر حتى علي مناطق نفوذ تاريخية لفرنسا خاصة في الغرب الافريقي.. الذي رمى باريس بالشباك وفتح الباب على مصراعيه أمام موسكو.. تعاملت أوكرانيا بحنكة حيث تمكنت من كسب تأييد (28) دولة أفريقية ضد روسيا، مع ان موسكو استطاعت لاحقاً تغيير مواقف (15) دولة منها.
0 كما قام وزير الخارجية الأوكراني بعدة جولات دبلوماسية شملت (13) دولة إفريقية، وكان يقدم محفزات معلنة (تعزيز التعاون في مجالات إمدادات الحبوب وإعادة إعمار أوكرانيا).. المسألة مصالح لا عواطف كما يهرج البعض ويحاول دون وعي.. افساد علاقات السودان مع دول الخليج اثناء انتقاده للامارات.. افتتحت أوكرانيا (8) سفارات من أصل (10) بعثات جديدة تم الإعلان عنها عقب الحرب.
0 بالطبع لا يمكن مقارنة إمكانيات السودان بأوكرانيا.. لكن وفقاً لتحليل فان الهدف مجابهة النفوذ الروسي المتنامي في إفريقيا.. من منطلق أن الصراع مع موسكو ينبغي ألا يقتصر على الميدان وحده.. بل يجب أن يمتد خارج ساحات المعركة من أجل تقويض مصالح روسيا الإستراتيجية.. وأيضاً الصراع مع المليشيا وأعوانها ليس في دارفور او كردفان او بالداخل، وانما بالخارج كذلك.
0 ما يهم الآن هو كيفية استثمار موجة التعاطف الدولية مع السودان لفتح قنوات تواصل فعالة مع أوروبا وأمريكا..أمامنا فرصة تاريخية لرفع الصوت عالياً ضد جرائم مليشيا الجنجويد.. يجب تكثيف العمل مع وسائل الإعلام، المؤثرين في المجتمع، مراكز البحوث، واعضاء البرلمانات.. لعرض الأدلة المتوفرة بكثافة تؤكد حجم الجرائم التي ترتكبها مليشيا الجنجويد.. الرسالة واضحة وهى ان مايجري سيتحول لتهديد إقليمي يتمثل في الإرهاب والتطرف العنيف.. هذا التوجه دعمه وكيل الخارجية أمس في مؤتمر صحفي ناجح مع وزير الإعلام.
0 الفرص التي أمامنا بلا حدود، لابد من تحرك خارجي عاجل واستراتيجية دبلوماسية قوية.. فالعالم اليوم أصبح أكثر إدراكاً لما يجري في السودان.. ولم يعد من المقبول أن نترك الساحة فارغة أو نسمح لمليشيا الجنجويد بتسميم سمعة بلادنا.. يجب أن نعمل بكل طاقتنا لفضح هذه العصابات الإرهابية.. المعركة عالمية في الإعلام، وفي السياسة. لا مجال للتردد أو التسويف.. انظروا كيف تعاملت قطر دبلوماسياً مع الهجوم الإسرائيلي الإرهابي.
0 لا ضير من ترشيح وزيري دولة لدعم الوزير محي الدين سالم في مهامه.. وقد حاولت التعرف على وزيرة الدولة بالخارجية الألمانية سيراب غولر.. عبر موقع خارجية بلادها، عقب زيارتها الأخيرة إلى السودان ولقائها بالرئيس البرهان.. بالمناسبة هى أرفع مسؤولة أوروبية – باستثناء المبعوثين – تزور البلاد منذ عدة سنوات.. وجدت أن سيراب واحدة من خمسة وزراء دولة في الخارجية الألمانية.
0 ومهما يكن من امر.. التحرك السريع والمنسق هو السبيل الوحيد للحفاظ على مصير السودان ومستقبله.
الخميس 30 اكتوبر 2025
osaamaaa440@gmail.com




