أسامه عبد الماجد يكتب: حول مكتب الرئيس

0 منذ ثلاثة أيام وأنا أتساءل، ماذا كان رد الرئيس البرهان على سفير إسبانيا لدى السودان، إيسدرو أنطونيو، عندما استقبله ؟.. وفق بيان إعلام مجلس السيادة، أعرب السفير عن تمنياته بعودة السودان إلى مسار الانتقال المدني الديمقراطي.. وإتاحة الفرصة للمدنيين للقيام بالدور المنوط بهم.. اللافت أن السفير التقى لاحقاً رئيس الوزراء.. ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان يرى وجوداً فعلياً للمدنية في الحكومة الحالية ام لا.
0 الجرأة في تصريح السفير ومن ثم البيان الصادر عن مكتب البرهان تثيران الانتباه نحو أداء مدير مكتب الرئيس.. كثرة الأحداث والتفاصيل المتعلقة ببرامج الرئيس ولقاءاته تكشف عن حاجة ماسة إلى مراجعة شاملة ودقيقة لمكتب الرئيس.. ليس لأن خطاباً ممهوراً بتوقيعه أو تصريحاً خرج للعلن قبل استكماله.. بل لأن الأمر يتعلق بمستقبل البلاد.
0 لا تبدو لدى الرئيس إجابات شافية لحزمة من الأسئلة المصيرية.. على شاكلة ما هو اليوم التالي للحرب؟ كيف سيتم التعامل مع الإسلاميين؟ ماذا عن علاقة الدولة بقوات الحركات ؟.. وماهو موقفه من مجلس السيادة في شقه العسكري ؟ وكيف ستدار العلاقة مع دول إقليمية مثل الإمارات؟.. هذه الإجابات المفترضة يجب أن توفرها منظومة مكتبه.. إذ إن مكتب الرئيس مؤسسة متكاملة تستدعي عناصر ذات خبرة، وسعة أفق.. وقدرة على التفكير خارج الصندوق.
0 منصب مدير مكتب الرئيس من أكثر المناصب تأثيراً في مفاصل الدولة.. فهو يشرف على السياسات الرئاسية، وإدارة الملفات الاستراتيجية.. والتنسيق مع الوزارات والهيئات..مدير المكتب هو محور التنسيق بين الرئاسة وبقية مؤسسات الدولة. إدارة هذا المكتب في شقه المدني ليست مهمة يستطيع عشرة ضباط، يقودهم لواء مهما علا شأنهم ورتبهم، أن يديروها بكفاءة مدنية.. صحيح أن الانضباط العسكري يسهل تنفيذ التعليمات ضمن الشق العسكري، باعتبار الرئيس قائداً عاماً للقوات النظامية لكن العمل المدني يختلف.. يدار عبر خطط وبرامج دقيقة واستشراف مستمر للمتغيرات.
0 تتضح آثار هذا الخلل من مخرجات برامج البرهان اليومية.. التي أصبحت متكررة وتفتقر إلى الجديد.. ما أثر بشكل كبير في شعبيته. ويثير الاستغراب تكرار استقبال شخصيات ليست ذات وزن سياسي أو اقتصادي واضح.. بعضهم “جوكية” ويطرح نفسه كرجل أعمال.. وآخرين “مستهبلين” تحت مظلة تنسيقيات بجانب صحفيين وصحفيات.. دون ضوابط واضحة للقاءات الرئيس.. وحتى لا يزايد علينا أحدهم.. أذكر أن وفداً زار الرئيس في بورتسودان في يونيو الماضي، وآثرت شخصياً بعدم الحضور؛ة.. وهي وقائع قد أتطرق إليها لاحقاً.
0 إدارة مكتب الرئيس تحتاج إلى شخصية مدنية تتمتع برؤية ثاقبة.. وقدرة على التفكير الإبداعي.. وفهماً تاماً لتقاطعات المشهد السياسي والاقتصادي. مطلوب من مدير المكتب أن يتمكن من إدارة الملفات المعقدة.. القانونية والاقتصادية والسياسية، وأن يضمن تنفيذ القرارات الرئاسية بدقة. مطلوب شخص سريع الحركة، يضع أمام الرئيس جميع المعلومات حتى لو كانت محرجة.. كما كان يعمل مدير مكتب البشير الفريق طه عثمان.. مما آهله لكسب ثقة أسهمت في تحصين مكتب الرئيس لسنوات.
0 نحتاج إلى مدير مكتب وطاقم قادرين على إحداث اختراق حقيقي في دبلوماسية الرئاسة.. وتنظيم تحركات الرئيس الخارجية. مكتب فعال كان لينصح بعدم الاجتماع مع مبعوث ترامب في سويسرا.. أو ليتولى ترتيب اللقاءات والحضور بشكل يخدم مصالح البلاد.. مثل إقناع المبعوث الأمريكي بالحضور إلى بورتسودان.. كما فعل خليفة حفتر وجره الى عرينه في بنغازي.. وشتان مابين البرهان وحفتر.. أو ترتيب لقاءات سرية محسوبة بعناية. رغم انه لا يعتاد كثيرا في الرؤساء على الزيارات السرية، لكن هناك أمثلة على زيارات مُعلنة بعد العودة.. كما فعل البشير بعد عودته من دمشق.. ومثل بشار الاسد بعد عودة له من موسكو.
0 ان اختيار مدير مكتب الرئيس يفترض ان يتم بعد مشاورات تتداخل فيها جهات متعددة.. وعادةً ما يقع الاختيار على شخصية ذات خبرة إدارية ودبلوماسية عريضة، كما هو الحال في تجارب عربية معروفة.. مثل السفير اسامه الباز مع الرئيس المصري السابق الراحل حسني مبارك منذ كان نائبا للسادات.. وقبل نحو عام اصبح وزير العدل المصري السابق عمر مروان مديرا لمكتب السيسي.. اما في الجزائر فان مدير مكتب الرئيس تبون ، قاضي مرموق ويحمل درجة الدكتوراة من الجامعات الفرنسية (بوعلام بوعلام).. بينما في العراق انتقل مدير جهاز الامن والمخابرات مديرا لمكتب الرئيس.
0 فريق المكتب بمثابة كتيبة متقدمة مطالب بالوقوف على أدق التفاصيل.. حتى في الصورة التي تُلتقط للرئيس عند استقبال ضيوف أو في مظهره ولباسه.. فقد لاحظنا تنقلاً في زي الرئيس بين ملابس عسكرية مختلفة غير مألوفة في المؤسسة العسكرية السودانية.. ان الحرب المفروضة على بلادنا تقتضي مراجعة دقيقة لكل المؤسسات.. وعلى رأسها مكتب الرئيس، الحرب ليست عسكرية فقط.. وهي تتطلب إدارة مدنية فاعلة، خططاً واضحة، وكوادر مؤهلة.
0 ومهما يكن من أمر.. فان تصحيح الاختيارات في هذا المنعطف قد يكون أحد عوامل الحسم لصالح معركتنا.. واستقرار بلادنا.
الجمعة 10 اكتوبر 2025
osaamaaa440@gmail.com




