أسامه عبد الماجد يكتب: انقلاب بقيادة البرهان

0 من الذي يخطط ويفكر للرئيس البرهان أو معه ؟ هل هم جنرالات مجلس السيادة بمساندة جهاز المخابرات بقيادة مفضل؟.. أم أن للبرهان “مطبخًا سياسياً” آخر يضم شخصيات غير معروفة ؟ واستبعد الاحتمال الأخير.. لكن طرح هذه التساؤلات أصبح ضرورياً، لأن البرهان اتخذ قرارات كبرى لا يمكن الاستهانة بها.. فهو الرئيس وصاحب الكلمة النهائية، إلا أن هذه القرارات ذات طابع حساس، ولها تداعيات خطيرة على السودان وربما على المنطقة بأسرها.
0 القرارات الثلاثة التي اتخذها البرهان تمثلت في قطع العلاقات مع إيران.. اتخاذ خطوات حاسمة ضد ما تبقى من “المتطرفين” – المنتمين للنظام السابق – بحسب الوصف الذي ورد.. وتوثيق العلاقات مع إسرائيل حتى وصلت إلى مستوى “جيد”.. اللافت أن الرأي العام لم يعرف بتلك القرارات أو توقيت وكيفية اتخاذها من مصادر سودانية رسمية.. بل علم بها من مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، خلال مقابلته الأخيرة مع قناة الشرق.
0 المقلق في الأمر أن ما يجري يعطي انطباعاً وكأن البرهان يدير انقلاباً صامتاً مجهول المآلات.. ليس لأنه يفضل الصمت وكأن شيئًا لم يكن، بل لأن الأسئلة الملحة كثيرة، ما المكاسب التي جناها من هذه الخطوات؟.. هل حصل على ضمانات من واشنطن بوقف الدعم المالي والعسكري للمليشيا الإجرامية ؟.. هل وُعد بعقد مؤتمر لإعادة إعمار ما دمرته الحرب؟.. هل تلقى تعهدات بعدم المساس بالقوات المسلحة تحت ذريعة إعادة هيكلتها؟.. وهل هناك التزام بعدم السماح بعودة أولاد دقلو ومن معهم إلى المشهد السياسي؟
0 هذه الأسئلة تستند إلى المعلومات الحساسة التي كشف عنها مسعد بولس.. والتي يبدو أنها ناتجة عن اجتماعه السري مع البرهان في سويسرا .. أو عن تفاهمات بينه وبين مبعوثين من جانب البرهان.. ما أدلى به بولس يؤكد ضعف وجود فريق أمن قومي قوي يساند الرئيس.. وغياب التخطيط الاستراتيجي الواضح، فضلاً عن نقص الخبرة في التفاوض.. والتعامل مع المتغيرات المعقدة في المشهد السوداني.
0 الحرب في السودان فرضت واقعاً جديداً مختلفاً عن مرحلة ما قبلها.. عندما حاول أولاد دقلو الاستيلاء على السلطة بالقوة.. أما بخصوص إيران، فمن غير الواضح ما المعيار الذي استند إليه قرار قطع العلاقات معها.. خاصة وأن دول الخليج، بما فيها المملكة السعودية، تربطها علاقات مع طهران. فقد استقبل ولي العهد السعودي في الشهر الماضي علي لاريجاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.. ورغم تاريخ التوتر بين البلدين، فإن السعودية لم تغلق الباب تماماً.. وكذلك السودان الأن.
0 في المقابل، حينما هاجم محتجون البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد عام 2016.. وقف السودان آنذاك موقفاً حاسماً مع المملكة وقطع علاقاته مع إيران نهائياً.. ولم يستجيب لرجاءات ايران بالابقاء على السفارة مفتوحة.. بينما اكتفت الإمارات بخفض مستوى التمثيل، ووجهت الكويت فقط مذكرة احتجاج.. وحتى الولايات المتحدة فقد تعاملت مع إيران خلال فترة باراك أوباما.. ووقعت معها اتفاقاً لرفع العقوبات مقابل تجميد برنامجها النووي لمدة 15 عاماً.. بل تحالفت معها ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق.
0 وفي الداخل، اكتسب الإسلاميون في السودان زخماً جديداً.. رغم الانقسام بين تيار أحمد هارون وجناح إبراهيم محمود، بعد أن تقدم شبابهم الصفوف واستشهدوا دفاعاً عن الوطن.. مما جعلهم قوة فاعلة في مواجهة الجنجويد.. على عكس ما كان عليه الحال في فترات ضعفهم السابقة تحت تهديدات مناع وتهكم وجدي صالح وسخف خالد سلك وعبط ود الفكي.
0 أما إسرائيل، فبينما يتجه الرأي العالمي نحو الاعتراف بفلسطين ووصف إسرائيل بأنها قوة محتلة.. يصف مسعد بولس علاقتها مع السودان بأنها “جيدة”.. وهو أمر يثير التساؤل ويعطي الانطباع بأن القيادة السودانية تخطو في مسار محفوف بالمخاطر.. واضح ان الحكومة السودانية قدمت تنازلات كبيرة من دون مقابل.. أو ربما بناءً على وعود لا تزال غامضة، بينما واشنطن – وفقاً لتصريحات مسعد – تتعامل مع المليشيا مباشرة لإيصال المساعدات إلى مناطق حول الفاشر.. في الوقت الذي تقصف فيه المليشيا المستشفيات والمعسكرات والتجمعات السكنية داخل المدينة الصامدة.. وتفرض على سكانها حصاراً وتجويعاً يشبه ما تمارسه إسرائيل في غزة.
0 ومهما يكن من امر.. تمر البلاد بمرحلة شديدة الحساسية، وكل شيء قابل للاهتزاز، بما في ذلك الكرسي الذي يجلس عليه البرهان نفسه.
الجمعة 17 اكتوبر 2025
osaamaaa440@gmail.com