أسامه عبد الماجد يكتب: البرهان ام كامل ؟

0 يبدو أن الجميع يتجاهل حقيقة أن السودان يعيش اليوم واحدة من أعقد أزماته القانونية في تاريخه الحديث.. وذلك بسبب الوثيقة الدستورية السابقة وتعديلاتها الأخيرة التي جرت هذا العام.. فما يزال من الصعب على أي متابع أن يحدد طبيعة النظام السياسي.. هل هو رئاسي ؟ أم برلماني؟ أم مختلط ؟.. ففي حين أن الدول الكبرى والمتنوعة مثل الولايات المتحدة تعتمد النظام الرئاسي لضمان الاستقرار.. يظل الوضع في السودان مرتبكاً.
0 القحاتة – الله لا عادهم في اي صورة – في الفترة الماضية سعوا لفرض نموذج برلماني.. حيث جردوا مؤسسة الرئاسة من معظم صلاحياتها لصالح رئيس الوزراء.. وهو ما جعل عبد الله حمدوك يتمتع بسلطات واسعة لم يكن يتوقعها.. غير أن التعديلات التي أُدخلت موخراً في الوثيقة أعادت كثيراً من الصلاحيات لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.. مما خلق حالة من الضبابية في توزيع السلطات بين مجلسي السيادة والوزراء.
0 هذا الغموض يثير تساؤلات حول ما إذا كان المقصود تأسيس نظام مختلط بالفعل أم مجرد إعادة ترتيب للسلطات.. فالنموذج المصري، المتأثر بالنظام الفرنسي، رغم ان مصر مستعمرة بريطانية.. يقوم على توزيع واضح بين الرئيس الذي يتولى ملفات السيادة والدفاع والخارجية والإعلام، وبين رئيس الوزراء الذي يختص بالشأن الخدمي والمعيشي.
0 أما في السودان، فيبدو أن البرهان يرغب في ممارسة السلطة – ولا اريد القول انه يسعى للحكم – لكنه يتحاشى التصريح بذلك.. بينما يتعشم رئيس الوزراء كامل ادريس التمتع بصلاحيات حمدوك.. ولذلك “عامل رايح” يريد ان يتولى وزارة الخارجية لتوسيع دائرة نفوذه خارجياً.. ويتجلى هذا الارتباك أيضاً في ملف تمثيل السودان بالخارج.
0 ومن خلال متابعتي اللصيقة للملف الخارجي.. اقترب انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنطلق في 9 سبتمبر المقبل.. بينما أعمال أسبوع الاجتماعات رفيعة المستوى في 23 سبتمبر وتستمر حتى 29 من الشهر نفسه.. حيث يعتلي قادة الدول منبر الجمعية العامة. وقد مثل السودان في ثلاث دورات متتالية حمدوك.. ثم تولى الرئيس البرهان تمثيل السودان في دورات الأعوام 2022 و2023 و2024.”
0 رشحت معلومات عن مشاركة وفدين من السودان.. أحدهما بقيادة البرهان لإلقاء خطاب البلاد.. والآخر بقيادة كامل لإجراء اللقاءات الثنائية.. مثل هذا الوضع يسيء لسمعة السودان دولياً، ويجعلنا اضحوكة.. ويكشف عن غياب الوضوح. والشفافية في تحديد المسؤوليات.
0 لقد أثبتت التجربة أن النظام البرلماني لم ينجح في السودان بسبب ضعف الأحزاب وانقساماتها.. بينما نجح في بريطانيا وإسرائيل لوجود أحزاب أكثر نضجاً وثباتاً.. ومتفقة على الثوابت الوطنية ولو كذباً كما الحالة الاسرائيلية.. وبالتالي لا يمكن الاستمرار في نظام هجين غير محدد المعالم.. يتأرجح بين الفدرالية مثل الولايات القائمة التي احسنت الانقاذ تقسيمها وادارتها.. وبين الكونفدرالية المعيبة والشاذة.. بوجودين اقليمين (دارفور والنيل الازرق).
0 ولذلك ظل مني مناوي يسعى جاهداً خاصة بعد الحرب.. ليحجز لنفسه مقعداً في مجلس السيادة بعد ان وجد نفسه معلقاً في (الهوا).. ان الجدل الدائر حول لجنة الفريق إبراهيم جابر – ويا لها من لجنة رائعة – ودورها التنفيذي يعكس بدوره حالة الغموض الدستوري.. رغم ان المهندس يقوم بادوار كبيرة ومهمة لم يسبقه عليها أحد.. خاصة عقب اندلاع الحرب، وتعامل بوطنية وتجرد ولم يلتفت الى الشائعات والتخرصات.. ولم تقعده الاتهامات التي ظلت تطاله بسبب عشيرته النبيلة والكريمة والمضيافة التي اساء اليها ناظرها والباغي الشقي حميدتي.
0 إذا استمر غياب الحسم في توزيع السلطات فإن الأزمات ستتفاقم.. فإرسال وفدين إلى نيويورك أو الاكتفاء بوفد واحد لن يحل المشكلة. الحل الحقيقي يكمن في جلوس الأطراف كافة على طاولة واحدة لإعادة تحديد المسؤوليات والمهام بشكل واضح.. إن الخطوة الأجدر اليوم هي تعديل الوثيقة الدستورية مجدداً، بعيداً عن الأجندات الضيقة.. مع وضع جدول زمني محدد للفترة الانتقالية.
0 ومهما يكن من امر.. لا بد من وضع الامور في نصابها الصحيح حتى لا يبقى السودان معلقاً في دائرة الضبابية والفوضى.
السبت 23 اغسطس 2025
osaamaaa440@gmail.com
 
				



